ما تريده مهنة الطب البيطري

ما تريده مهنة الطب البيطري !
تاريخ:30/4/2004
ا الدكتور غالب الأنصاري

أوضحت هذه المهنة على لسان أبناءها،التي تتجسد جمودها العلمية ومنجزاتها المهنية في مجال الثروة الحيوانية،وما يتعلق بها وبالمجتمع من شؤون صحية وتربوية وتغذوية..نقول أوضحت بما فيه الكفاية مرات عديدة،حسبما نادى وطالب به علمائها واختصاصيّها وخبراءها ومؤسساتها المهنية،بأنها بحاجة ماسة إلى كيان مستقل ومؤسسة خاصة بها،منبثقة عن كادرها المتخصص والمتمرس بعلوم المهنة وشؤونها،لكي تقود هذه المهنة الرائدة وتعبرعن قرارها المتميّز،دون حاجة إلى وصاية اوقيمومة اوهيمنة تفرض عليها من جهات اوفئآت لاتمت لها بصلة علمية اومهنية،الاّ بما تملية وتفرضه الارتباطات الرسمية الشكلية!..وهنا تكمن العلة ويقتضي العلاج! وبرغم الظروف الصعبة ودواعي الإحباط والمرارة من عراقيل وتحجيم وتهميش،التي قاستها هذه المهنة عبرمسارها وعمرهاالطويل الذي ناهزالجمسين سنة،فقد قامت بانجازات مهنية رائدة وشادت مؤسسات علمية فريدة،سواء كانت على المستوى الصحي اوالاكاديمي،يبقى عراقنا الجديد بحاجة ماسة إليها والى تطويرها والمزيد منها على مَرّ السنين،وهذا هوشأن هذه المهنة!.فالعلم لايقف عند حَدّ ولاينتهي مادامت الحياة مستمرة! وهذاماآمن به رواد هذه المهنة وأبناءها وساروا على دربه دون كلل اوملل، محققين ما أمكن تحقيقه بالرغم من العقبات وشدّة الظروف وقسوتها! وشواهد البناء ثَرّة وكثيرة،فهناك كليات ومؤسسات ومراكز ومعاهد علمية عديدة،تمارس أدوارها ومهامها بكفاءة واقتدار وتقنية عالية،إضافة إلى مشاريع ومحطات ومؤسسات تُعنى بتربية الحيوان وأنواعه..فالمهنة تقود وتشرف على حقول الدواجن والابقاروالجاموس والأغنام والماعز والجمال والطيور والأسماك،وكذلك مشاريع تسمين العجول والحملان وغيرها من الحيوانات الأخرى..هذا من جانب،ومن جانب اخرماتبذله وتقوم به من جهود علمية ومهنية واسعة في مجال الصحة العامة،أي صحة المجتمع ومايتعرض إليه من أمراض وبائية مشتركة بين الإنسان والحيوان،فهناك الكثيرمن الأمراض الخطرة التي تهدد صحة الإنسان وحياته عن طريق الحيوان،تستوجب توفير وتكريس الإمكانيات العلمية والتقنية لمكافحتها والقضاء عليها وحماية المجتمع من آفاتها..وكلنا يعرف،وخاصة العاملون في مجال الطب وفروعه واختصاصاته،ماذا تعنيه الأكياس المائية والدودة الحلزونية وحمى مالطا وداء الكَلَب وانفلونزاالطيوروجنون البقروالتدرن الرئوي والجدري والانثراكس وغيرها من الأمراض المشتركة بين الحيوان والإنسان،وما تقتضيه حماية المجتمع والمخلوقات التي تعيش فيه من هذه الأمراض الوبيلة،من فحوصات ومعرفة ودراسات علمية،تشترك فيها المؤسسات المعنية من الطب البيطري والبشري.
فإذا كان فعلا المسؤولون الذين شرعوا يقودون هذاالوطن لبنائه من جديد،يبغون أن تأخذ هذه المهنة مواقعها العلمية والمهنية وتضع اقدامهاعلى المسارالصحيح،الذي يقودها إلى تحقيق ماتصبواليه من انجازات متميّزة نحن بأمس الحاجة إليها لبناء عراقناالجديد، والارتقاء بهذاالوطن إلى مصاف الدول المتقدمة!..فالالتزام الحقيقي بهذه المثل والقيم الوطنية المشرفة من قبل المسؤولين،هوالتزام لابد منه بحيث تمتلك هذه المهنة إرادتها وقرارها، دون وصاية أو ولاية تهيمن عليها وتتحكم بمقدراتها وتحرمها من أداءها وعطاءها دون وجه حق!..وبهذه المعاييروالالتزامات المهنية فحسب،سوف نتمكن من تفجيرالطاقات والقدرات التي تمتلكها هذه المهنة لبناء الوطن وتعزيز اقتصاده والحفاظ على سلامته من الآفات المرضية!..وكذلك سيكون بالإمكان توطيدالعزم والإرادة على الخلق والإبداع والانجازات المثمرة،وعلى السير قدما في تحقيق مآثرالعلم والتكنولوجيا سمات العصر الحديث والدول المتطورة!..وفي ذلك يكمن سرُ المعرفة والحضارة والريادة في التطور والبناء ورقي المجتمع!
لقد طالبت مهنة الطب البيطري منذالبدء بتشكيل الوزارات ولازالت تطالب إلى يومنا هذا،ونحن على أبواب تشكيل وزارات جديدة بمناسبة انتقال السلطة،بوجود كيان مستقل لها يرعى شؤونها ويحدد مساراتها ويصون منجزاتها العلمية والمهنية،ويحافظ على إرادتها وقراراتها في التخطيط والعمل والإنتاج،أسوة بالوزارات الجديدة التي تم تشكيلها كالبيئة وحقوق الإنسان والمهجرين والمهاجرين وغيرها،حيث كان بعضها ملحقا بمؤسسات أخرى كالبيئة التي كانت مُلحَقة بوزارة الصحة،فاقتضى الامران تكون لها وزارة مستقلة!
وانطلاقا من هذه المقاييس وهذه المفاهيم،أن يأخذ التخصص العلمي والأداء المهني سماته الخاصة به وفق مفاهيم التحصيل العلمي والمعرفة المهنية المرتبطة بمستلزمات بناء المجتمع وتقدمه..نقول استناداالى هذه السمات والمسلمات التي تتمييزبها مهنة الطب البيطري،نرى استحقاقا أن ننصف هذه المهنة ونرعاها ونبعد عنها الوصاية والولاية وإجراءات غيرمجدية،غالبا ما تكون نتائجها وخيمة وعقيمة وليست في مصلحة البلد،خاصة بعدان تجاوزت هذه المهنة(سن الرشد!)كما يقول المثل،وتحررت من(قانون القاصرين!)إذا كانت قاصرة حقا،وأصبح لها كادرعلمي متخصص ومتمرس وصاحب خبرة ودراية واسعة،وقادراعلى إدارتها بسداد وبصيرة وان يكون قراره هادفا وحكيما في الأداء والانجاز..ومن هذا تتضح ضرورة أن تستلم مهنة الطب البيطري زمام أمرها،ويكون لهاالقرارفي برامجها ومناهجها وتصريف شؤونها بنفسها(وأهل مكة أدرى بشعابها!)،واستناداالى ذلك نكون قد حققنا الإمكانيات والقدرات لبناء الدولة والوطن!
إن أبناء هذه المهنة يرون،كما عبّروا عن ذلك في كتابات سابقة،أن تكون لمهنتهم وزارة خاص بها باسم(وزارة الصحة الحيوانية) بحيث تشمل كل ماله علاقة بالحيوان وصحته،وترك وزارة الزراعة للزراعيين.. والزراعة مهام واسعة وتحتاج إلى كوادرمتخصصة،والاّ لماذا هذا الخلط العشوائي الذي لايمت إلى العلم بصلة؟!..وهنا نتوجه إلى مجلس الحكم الموقرالمسؤول عن بناء العراق الجديد،ونناشده أن يولي هذه الإرادة اهتماما خاصا، ويكرس لها الحل المناسب في وجود كيان وزاري خاص بهذه المهنة،ويجعل منه حقيقة ماثلة تستجيب إلى التوجهات السديدة لبناء الوطن وتعويضه عمّا فات من تراجع وضياع،وخاصة في العهد السابق!..ولابأس أن نذكّرالمجلس بأننا بصدد تشكيل وزارات جديدة بمناسبة انتقال السلطة وتحقيق سيادة الوطن واستلامها من إدارة التحالف،فالمناسبة سانحة ونحن منتظرون،وان غدا لناظره قريب !

ا انتهـــــــــــــــــــى
ا لدكتور غالب الأنصاري
ملاحظة: نُشرت في جريدة المدى بتاريخ 6 / مايس / 2004