مهنة الطب البيطري – نريدها مهنة بلا قيود!
تاريــخ المهنــة: الدكتور غالب الأنصاري
بدأت مهنة الطب البيطري،التي تُعنى بصحة الحيوان والإنسان،مسيرتها العلمية الأولى في العام الدراسي (1954-1955 )،حيث تأسست كلية الطب البيطري.وبناءً على ذلك،تقررإلتحاق الوجبة الأولى لطلاب الصف الأول بطلاب الصف الأول من كلية طب بغداد،وجرى تدريسهم سوية على يد أساتذة كلية الطب ومناهجها الدراسية..وعند تخرج الأطباء البيطريين بعد حصولهم على شهادة البكالوريوس في الطب والجراحة البيطرية، التحقوا ب(نقابة المهن الطبية)في المنصورالتي تضم الأطباء والأطباء البيطريين وأطباء الأسنان والصيادلة.ولاتزال بناية (نقابة المهن الطبية)ملكاً لجميع المهن الطبية المذكورة وتشترك فيها جميع نقاباتها بعد أن تأسست هذه النقابات .
هذه هي باختصار بداية مسيرة الطب البيطري في مضمار العلم والتعلم، حيث الارتباط الوشيج بين الطب البيطري والطب البشري في الأسسس والمبادئ العلمية والتعليمية، وذلك راجع إلى وثيقة علمية ثابتة، فالعلماء وذووالاختصاص من العارفين بمهن الطب كافة وأهدافها يرون أن( لاوجود لخط فاصل بين طب الحيوان وطب الإنسان ، ولن يكون! الغرض مختلف ، هذا طب يُعنى بصحة الإنسان وذاك طب يَبغي صحة الحيوان ، ولكن المعرفة التي تحققت في المجالين ، تُجسّد أساس الطـب باجمعـه..(Between animal and human medicine there is no dividing line,nor should there be. The object is different, but the experience obtained constitutes the basis of all medicine!.....RUDOLF VIRTCHOW). دور المهنة في بناء كادرها:
حققت هذه المهنة بعد نشؤها،معيناً ثراً من كوادر علمية متميزة،وانجازات مهنية رائدة..فالكوادر العلمية حازت على درجات عليا في التخصص والمعرفة بمختلف العلوم الطبية،من أساسية Basic Science ومهنية تخصصية ,Specialize Science وتخرجت باختصاصاتها العلمية في الدول المتقدمة في هذه العلوم،مثل أمريكا وبريطانيا والإتحاد السوفيتي وألمانيا وغيرها من دول أوربا الغربية والشرقية..وعند عودتهم إلى الوطن،حاملين شهادات الدكتوراه والهابيل والماجستير والدبلوم العالي وغيرها، انتشروا في مختلف مؤسسات الدولة العلمية، من جامعات وكليات ومعاهد وصروح حكومية وأهلية،للتدريس والبحوث والعمل العلمي والمهني..وأصبح لهم دور ووجود في كليات الطب البيطري والطب البشري والصيدلة والعلوم وغيرها،وحلّوا محـل الأساتذة العرب والأجانب في مختلف الكليات والمعاهد..ومن بقي منهم خارج العراق، تبؤا مناصب ومراكز علمية رفيعة في الدول التي حصلوا على شهادات الاختصاص فيها.
المنجزات المهنية والرسمية: مذكورة في الدراسة المرفقة( معاناة الثروة الحيوانية- ودور الطب البيطري في علاجها ).
أن غالبية هذه المنجزات قد انتهى أمرها، وأصبحت ليس وجود،اواسماً بلامُسمى!..وخاصة الخدمية منها والاقتصادية! ولم تحافظ على وجودها وأدائها سوى المؤسسات التدريسية والبحثية في الجامعات والكليات والمعاهد العلمية،لارتباطها بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي!..فالمؤسسات الخدمية والاقتصادية المرتبطة بوزارة الزراعة،مثل الهيئة العامة للبيطرية والثروة الحيوانية،وهي مؤسسة خدمية،تحولت الى شركة تمويل ذاتي،عليهاأن توفرأمورها المالية بنفسها،سواء مايتعلق بتكاليف رعاية الثروة الحيوانية ورواتب الموظفين، إضافة إلى النثريات المتفرقة وغيرها!.. وكذلك المختبر المركزي للمصول واللقاحات البيطرية،أصبح شركة تجارية باسم(شركة الكندي) لملء الجيوب،ويأتي ذلك من الأرباح العائدة عن بيع إنتاجها من اللقاحات،بعد أن كانت مؤسسة علمية تخرج أطباء بيطريين متخصصين بعلوم التحليلات المرضية وإنتاج اللقاح، وجاهزين للتخصص في العلوم الطبية خارج العراق وداخله.. وأيضا مركز التلقيح الاصطناعي ونقل الأجنة في أبي غريب،أصبح خاوي وخالي الوفاض،بعد أن كان بقيادة الأطباء البيطريين الذين أسسوه واستمروا في تطويره وتوسيع فعالياته ،عَلَماً متميزاً في بناء الثروة الحيوانية وتحديثها وفق الحداثة في المعلومة والمعرفة، التي وفرتها مهنة الطب البيطري وعممتها في ربوع الوطن الريفية،فأصبحنا نرى آثار هذا التغيير منتشرة في معظم الأرياف العراقية بألوان (الابقارالمضرّبة- الهجينة)الأسود والأبيض((cross-breed..وبعد الحرب قامت وزارة الزراعة بتغييرادارة هذا المركز وجعلتها بيد الزراعيين بعد أن أسسها ودارها وقادها وطورها الأطباء البيطريون!..واليوم نسمع أن الوزارة ترسل الزراعيين (فحسب!) للتخصص في علوم التلقيح الاصطناعي ونقل الأجنة،لاغيةً أن المبدأ الأساس الذي تم بموجبه تأسيس التلقيح الاصطناعي،هومبدأ طبي- عدم التلوث( aseptic condition )..أي أن القسطرة التي تُستعل في تلقيح البقرة، ورحم البقرة،والسائل المنوي لتلقيح البقرة،والطبيب القائم بتلقيح البقرة،كل هذه الآليات في تلقيح البقرة،يجب أن تكون عديمة التلوث!..وهذه معلومة ومهمة مرتبطة بالطب بشكل عام،وبالطب البيطري بشكل خاص!..ويكفي للدليل على ذلك،أن الطب البيطري أسس(معهد أبحاث الأجنة وعلاج العقم/جامعة النهرين/وزارة التعليم العالي والبحث العلمي)ويقوده الكثيرون من الأطباء البيطريين.. ويقوم المعهد بعلاج العقم في النساء بواسطة التلقيح الاصطناعي،وفيه دراسات عليا في الدبلوم العالي والماجستير،فهل هناك وجود للزراعيين في هذا المعهد،مهما كانت شهاداتهم العليا؟!..ثم لماذا لايكون وجود لشهادات التخصص العليا في الطب البيطري، كالدبلوم العالي والماجستير والدكتوراه، في ديوان وزارة الزراعة؟!..هل الثروة الحيوانية ليست بحاجة إلى هذه الاختصاصات؟!..أم هناك خوف وتحفظ من حضورهذه الشهادات لكي لاتدعي بأنها صاحبة الاختصاص؟!..ثم لماذا وزيرالزراعة من الزراعيين، وحرمان الأطباء البيطريين، بينما وزارة الزراعة تضم الطب البيطري والزراعة؟!..والدراسة في كليات الطب البيطري خمس سنوات وفي كليات الزراعة أربع سنوات!..المآخذ كثيرة، وهذا قيض من فيض!..وكل مانتمناه ونرجوه أن يتم الالتفات إلى إصلاح ذات البين!
أعاقة المهنة وإجهاض عطاءها:
هناك الكثيرمن من العراقيل والعوائق التي تعرضت وتتعرض لها مهنة الطب البيطري،وهي تحاول أداء ماعليها من مهام وواجبات،في بناء الوطن اقتصاديا،وحمايته من الأوبئة والأمراض!..واهم هذه العراقيل هوالتهميش،والتدخل في شؤونها،وحرمانها من اتخاذ قراراتها، ووضع برامجها ومناهجها المهنية، وخاصة وزارة الزراعة اقتضت الأقدار والإجراءات الرسمية الارتباط بها والعمل تحت لواءها بمنطق الوصاية والولاية!..وقد أدى ذلك إلى عدم إفساح المجال أمام أداء المهنة كما يجب وعطاءها كما تريد،وتطورهاحسب اختصاصاتها العلمية وبرامجها المهنية،بعيداًعن الوصايةوالولاية من أية جهة كانت،ليست من صلب هذه المهنة، تعوزها المعرفة والدراية والممارسة والخبرة والاستحقاقات المهنية والعلمية!..فكيف بنا أن يتولاها من ليست له دراية ومعرفة علمية بشؤون هذه المهنة؟!..أليست هذه بديهية؟!..فلماذا لانُسَلّم الدارإلى أهلها لرعايتها والعناية بها،وهم أدرى وأعلم بشؤونها بعد أن امضوا سنين طوال في بناءها وتكوينها؟! وهل تطورت الدول المتقدمة وأصبحت في المقدمة،لأنها (تهوى وتعشق!) ما نحن ماضون عليه؟! سؤال نضعه أمام ذوي القرار،الذين(يريدون!)بناءعراقناالجديد،وقيادة الوطن نحوالأعماروالازدهار!.. وأبناء هذه المهنة يسألون من جديد:هل هذه المهنةالتي تقود برموزهاالمهنية إدارة الجامعات والكليات ومؤسسات الدولة الأخرى،عاجزة عن قيادة وإدارة مؤسساتها في مجال الثروة الحيوانية؟! والمثل يقول:ماحَكّ جلدَك مثلُ ظفرك !
العراق يُعتبرمن أخصب دول الجواروأغناها في الزراعة والثروة الحيوانية،ولكنه يعيش على ماهومستورد من هذه المنتوجات، ونرى كل يوم هناك شكاوى وتظلّم من الأرياف والمزارعين،بسبب العوزوالحرمان في الإنتاج الزراعي والإمكانيات الزراعية من بذوروأسمدة ومكائن!..وفيمايخص الإنتاج الحيواني،من لحوم وألبان وبيض واجبان وغيرها،( فيكفينا!) أن تصل الينا من الخارج وفي مقدمتها دجاج وأفخاذ (Sadia)!..وقد أكدت العديد من الندوات والدراسات الزراعية،على عدم قدرة وزارة الزراعة في الإيفاء بمسؤولياتها الزراعية، سواء كانت نباتية أو حيوانية! والأمَرُ من ذلك،التضخم الهائل في كادرالوزارة،حيث يتجاوزعدده العشرين إلف منتسب،وهو أضخم توظيف عرفته الوزارات كافة!..هذا أذا أخذنا بنظرالاعتبارالعاطلين عن العمل بعد تخرجهم،من أطباء بيطريين وزراعيين،فأعدادهم لأحصرلها!علماًأن الواردالذي تحققه الوزارةلايتجاوز(5%)من ميزانيتها المالية السنوية،وقد يهبط إلى (1%)،والزراعة تعتبرمن مواردالعراق الأساسية بعد النفط!..ألايكفي هذا كدليل على تراجع وقصورالوزارة في الأداء والعطاء؟!
ما هوالحل ؟! :
وخلاصة القول،ما دمنا عازمين على بناء عراقنا الجديد وإطلاق طاقاته وقدراته الخلاقة،حسب الكفاءات والاختصاصات العلمية والمهنية، فالحل الصائب يكمن في أن تمتلك هذه الكفاءآت والاختصاصات العلمية والمهنية اتخاذ قراراتها، وإدارة شؤونها وأمورها بعلمائهاوخبراءهاورموزها،وان تحظى بكامل القدرة والإرادة في رسم وتأسيس برامجها ومناهجها وفق مصلحة الوطن وثوابت بناءه، خارج شريعة الوصاية والولاية التي هي العقبة الكأداء في البناء والعطاء!
إن أبناء مهنة الطب البيطري،يرون ضرورة رعاية مهنتهم واعتماد قرارها،وخاصة من قبل أصحاب القرار،وان يتم وضع الأمور في نصابها، ويُعطى كل ذي حقٍ حقه!..فلابد من أنصافها ورعايتها،وجعلها قادرة على امتلاك القرار والمسؤولية بنفسها!..أن ذلك يتحقق إذا كان لهذه المهنة وجود مستقل باسم ( وزارة الصحة الحيوانية )،وإذا تعذّر ذلك في الوقت الحاضر، وهذا مالا نتمناه ولانريده،فليس اقل- حاليا وموقتا- من أن يكون هناك وكالة وزارة لمهنة الطب البيطري داخل الوزارة يقودها وكيل وزارة من أبناء المهنة ذاتها،على أن تتمتع هذه الوكالة بالاستقلال المالي والإداري والمهني.. وجميع أبناء هذه المهنة يرون أن يكون لمهنتهم ما تستحقه من رعاية واهتمام من قبل المسؤولين وأصحاب القرار ، وأن تحقق ما هي بأمس الحاجة إليه، من حضور ووجـود بامتلاكها الإدارة والقـرار والإرادة ، وهم عـازمـون على المضي في هذا المسار لتحقيق هذا الوجود والإرادة!
الدكتور غالـب ألأنصـاري
أكاديمي/جامعة النهرين
12 / 7 /2008
الاتصال:
موبايل: 07702733452
البريد الالكتروني:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ملاحظة: نُشرت هذه الدراسة في جريدة الصباح 21/7/2008؛العدد1445