الفساد الإداري والمالي
د.عبد العزيز علي اكبرأن الفساد الإداري اوالفساد المالي آو كلاهما معا ظاهرة متلازمة تنتج عن اختلالات أساسية في البنية الاجتماعية وتنعكس بصور مختلفة كنتاج موضوعي وللظاهرة مظاهر مختلفة اجتماعية, وسياسية, واقتصادية ,وربما تربوية تتجلى من خلالها كمؤشرات على ضرورة وحتمية حصول تغيير مرتقب وحتمي في البنية الاجتماعية الاقتصادية آذ أن الاختلالات الأساسية في هذه البنى لايمكن أن تدوم الا ما نهاية.
ان أسباب تمحور هذه الظاهرة وتوسع مداها تكمن في جملة أسباب قد تبدوا للوهلة الأولى متناقضة, فمن هيمنة النظام الشمولي أو الدكتاتوري إلى بروز الحاجة إلى نظام السوق الليبرالي ذي الطابع السياسي الديمقراطي والذي لاياخذ مساره الطبيعي بشكل سهل وسلس في مجتمعات تعاني أساسا من التخلف المدني, الذي يتجلى بدوره في التخلف الاقتصادي , والعلمي, والتعليمي وتدهور في الإنتاج والإنتاجية والتخلف التقني وتخلف موازي تشريعي واداري .....الخ.
وفي وضع العراق فان أساس بروز وتوسع مدا هذه الظاهرة اتخذ المسار الأولي له في السنين الأخيرة وربما تصل إلى أكثر من عقد من نهاية النظام السباق كنتيجة وإجراء تم دعمه بشكل واضح من قبل النظام نفسه واتخذ طابع ما يشبه الشرعية بدعوى تجاوز نتائج الخلل الاجتماعي المتولد من سلسلة الحروب التي قادت في النهاية إلى حالة الحصار الدولي الذي فرض على العراق وتدهور وتضخم النقد وإلغاء الإجراءات القانونية الرادعة للرشوة كمرتكز أساسي للفساد المالي وإطلاق مبدأ التكافل الاجتماعي وترويج التعامل به
وبعد السقوط تم تأشير العراق في المرتبة 113 من بين 133 دولة عام 2004 وهو أمر أكثر من جيد وسرعان ما تدهور موقف العراق إلى المرتبة الثانية من بين 188 دولة عام 2008 مما عكس التدهور السريع والحاد في البناء الاجتماعي.
إن الأساس السياسي لبروز ظاهرة الفساد المال والإداري وهو المعول الرئيسي لدراسة الظاهرة هو التعامل المشوه مع الجانب السياسي لنظام السوق , وهو النظام الديمقراطي الذي مورس بأبشع صوره من خلال التعامل بالمحاصصة في تقاسم السلطات السياسية والإدارية للدولة .. وكان للصراع الطائفي العنيف الذي شهده البلد والذي أدى إلى تدهور امني كبير أصبح هو الشغل الشاغل لكل المكونات الاجتماعية بما فيها مؤسسات الدولة مما أدى إلى غياب كامل لدور الدولة من دولة تعتمد نظام التخطيط المركزي الى نظام منفلت خالي من رقابة الدولة .
إن خلو النظام من الشفافية المفترضة في النظام الديمقراطي كان له الدور الأساس في استفحال ظاهرة الفساد الإداري والمالي والذي أصبح هو القاعدة في التعامل وأصبحت الشفافية والنزاهة ظواهر استثنائية.
ان انهيار النظام السابق بشكل مفاجي دون إعداد لنظام بديل متدرج في النمو أدى الى استبعاد مجمل القوانين والتي اتهمت بأنها نتاج النظام السابق في حين كان يمكن اعتمادها بتغييرات بسيطة او تشديد الرقابة في تنفيذها, وهو ما أدى الى تولد سلسلة او سلاسل من الإجراءات الروتينية وتعقد هذه الإجراءات لبروز التخوف من الاتهام باستمرار اساس النظام السابق من جهة ولتشكل وتعدد مراكز الرقابة التي اتخذت طابعا سياسيا وليس إداريا او ماليا بحتا , فقد تشكلت أربع مراكز رقابية ومنها مؤسسة المفتشين العامين وهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ولجنة النزاهة في البرلمان وربما جهات اخرى , ان تعدد هذه الجهات التي اصبحت كل منها تؤدي دورها بمعزل عن الأخرى ان تعدد هذه الاجهزة ادى الى حالة معاكسة هي مرض التخوف من الاتهام بالفساد مما أعاق بروز اية مظاهر للإبداع والأداء الحر المتمكن.
ان النظام الجديد باشتراطاته الأساسية في المحاصصة, استبعد التعامل الفني التخصصي واستبعد التقنوقراط من الدخول الى النظام الا باشتراطات طائفية وفئوية وحتى عشائرية.
وكان لغياب البنى الاساسية الصناعة والزراعة وتشوه التجارة في هذه المرحلة دور في تدهور اجتماعي كبير لعودة العلاقات الشبة إقطاعية من المحسوبية والمناطقية والعشائرية وغلبة قيم الريف على قيم المدينه دور كبير في استمرار الصورة المشوه للبناء المؤسساتي للدولة الذي اصبح من الضروري والضروري جدا التفكير بدراسته ووضع الحلول انطلاقا من تحديد الاسباب ودور كل منها في نمو هذه الظاهرة الخطيرة .