الطب البيطري في العراق الأسباب والمعاناة
د. سهيلة عوفي عبد الحسن
تعتبر مهنة الطب البيطري من المهن الصحية ذات المستوى العلمي المرتفع ، حيث تبذل فيها جهود متميزة وواضحة تمثل شريحة واسعة من المجتمع . وبالرغم من كون هذه ( الشريحة / الكادر ) مهمة في أكمال طيف أيّ مجتمع إلاّ أن حقوقها مهتوكة كمعظم خريجي المهن المنسية في دولتنا العراق . فالاندفاع لنيل أعلى الشهادات واكتساب أفضل الخبرات لخدمة البلد وجعله في مصاف البلدان المتقدمة علمياً وثقافياً أصبح لايساوي شيئاً أمام موجة المنتفعين العاتية ، التي اكتسحت ما يصادف طريقها من شهادات جامعية تمثل الواجهة الحقيقية لأيّ بلد . فما أن يحصل الخريج على شهادته وخبرته حتى يصاب بخيبة الأمل . ليس لكونه يصطف رقماً جديداً في طابور العاطلين عن العمل فحسب ، بل لكونه يحمل أسم طبيب بيطري !! وإذا حصل على تعيين (بعقد مؤقت) متأملاً التثبيت على الملاك الدائم لاحقاً ، إلاّ أنه سيفاجأ بالعديد من المعرقلات ، لذا فهناك العشرات من الأطباء البيطريين هاجروا خارج البلد ، متخبطين بين الغربة وإثبات الجدارة هناك حيث سجلوا براءات الاكتشاف للعديد من العلاجات للإمراض من خلال كفاءاتهم واجتهاداتهم ، والاحترام الذي يلاقونه في تلك المجتمعات الغريبة !
فالبعض ذهب للعمل بمهنة في الزراعة و الجامعة أو الطب و قد نالوا حقوقاً تبعاُ للوزارات التي يعملون بها والبعض يعملون تحت أسماء مهن بعيدة عن الاختصاص الأصلي ، والمتبقي والممارس للمهنة على الملاك الدائم لا يعدّ على الأصابع نسبة للأطباء العقود والعاطلين عن العمل ، وهذه أيضاً تعتبر من المشاكل الأساسية في هدر الكفاءة وضياع الحقوق ، وبهذا يضعف من تكاتف الأطباء البيطريين في المطالبة والإلحاح لنيل حقوقهم وامتيازاتهم أسوة ببقية الوزارات وبذلك أعطى للمسؤولين حجة في عدم تحقيق ما يستحقه من مساواة مع زميله في مجال الطب البشري .. وكل خطوة تسحب خطىً تائهة متلاشية دون حلّ شجاع وصريح في بلد ضاعت به الكفاءات وباتت الكلمة الضعيفة المترددة ،كينبوع جاف لا يروي من ظمأ. ويبقى السؤال المحّير لمعظم الشرائح العاملة في المجتمع تقريباً...
ما هي مهنة الطب البيطري ؟ وما حاجة مجتمعنا لها ؟ وهل هي مهمة لتكون في وزارة منفصلة ؟ ! وأين وصل الطب البيطري في العالم.. ؟
وعلينا أن نوضّح باختصار : أنها مهنة فحص وتشخيص وعلاج لحالات حيوانية مختلفة قد تصاب بأمراض تضر بالاقتصاد الوطني عموماً وفي حالات أخرى تكون مضّرة أو قاتلة للإنسان أيضاً كما في أمراض ( البروسيلا ، والجمرة الخبيثة ، وأنفلونزا الطيور، وداء الكلب (السعار) ، والذبابة الحلزونية...) وغيرها . لذا فهي مهمة جداًً كمهنة الطب البشري وأشد ضراوة أذا ما قورنت بخطورتها وتعقيدات العمل فيها لأن الطبيب هنا يتعامل مع حيوانات وليس مع بشر والفرق كبير وواضح ، فالحيوان لايستطيع إن يتكلم ويعبّر عمّا يشكو منه ، وهذه طامة كبرى بالنسبة للمعالج . نحن هنا ليس من أجل المقارنة بل من اجل توضيح التباس القصد الحاصل من قبل الحكومة في إخصاء هذه المهنة المهمة وجعلها وراء الكواليس منسية مغطاة بالغبار .
لا أريد إن أقدم جداول مذكرةّ سابقة لبعض الإمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان وأنوه هنا إلى مرض خطير غزا معظم دول الجوار رغم تطور وسائلها في المكافحة والوقاية من الإمراض واستقرار وضعها الأمني والاقتصادي مثل مرض أنفلونزا الطيور الذي يعتبر من الإمراض الفتاكة التي تهدّد ثروتنا بالفناء وتكون في ذات الوقت خطرة على الإنسان كمستهلك وطبيب معالج (بيطري,بشري ) ، وهناك العديد من حالات الوفيات البشرية سجلت بكثير من الدول باسم هذا المرض والتي تنذر بتفشي الإصابات .
عموما"إذا ما حصرنا النقاش في أسباب المهنة أعلاه فإننا سنجد بأنه لولا وجود هكذا مهنة لهلكت أعظم البلدان .
إن خطورة ما يلاقيه الطبيب البيطري هي أشد مما يلاقيه الطبيب البشري. ولكن يا لمهزلة الإنسانية والعدالة المحتضرة في عراقنا الجديد حيث إن الامتيازات من ( التعيينات / البعثات / بناء مستشفيات / استيراد احدث الأجهزة /.....وغيرها ) لا ينال منها الطبيب البيطري شيئاً سوى سماعها في نشرة الإخبار، وكما علمنا بعد أن يأس مسؤولينا من دق أبواب جميع الجهات المعنية ، بإن لا الشركة العامة للبيطرة ولا وزارة الزراعة لها السلطة بأتخاذ أي أجراء بذلك ، لأننا ببساطة ننتمي الى شركة ، على الرغم من أن عملها خدمي ، وليس لها أيرادات كوزارة النفط ، التي تتمتع بحصة من أيراداتها أضافة لما تحصل عليه من الحكومة من تعيينات مركزية وغيرها .
بينما الطبيب البشري والذي يعتبر من العاملين في ذات المجال الصحي يأكل على طبق من ذهب. عموماً هل يستطيع بلدنا آلان الاستغناء عن هكذا مهنة مهمة وحساسة في ظل ما نعيشه آلان من دمار شامل واختراق لمعظم المنافذ ؟ في هذا الزمن الذي يتكالب فيه الأعداء ويتفننون في كيفية تقويض أسس دولتنا لنهب خيراتها بسهولة ,لذا فعلى الحكومة إن تفكر بجد في كيفية تذليل الصعوبات والمشاكل لتهيئة كوادرنا البيطرية , وذلك من خلال توفير الأمان من الإمراض وشرورها ليستطيع المواطن إن يستمر في الحياة ويمارس واجباته خدمة لهذا البلد.
وكخطوة أولى يجب إنشاء وزارة أو هيئة تابعة لوزارة الزراعة بدلاً من التسمية الحالية (الشركة العامة للبيطرة). وتوفير الأجهزة والمستلزمات والبعثات البيطرية لأداء دورهم بإتقان وتوفير العدالة والمساواة بالحقوق كما للأطباء البشريين . ومن ثم وضع لجان تدرس وضع الطبيب البيطري في العراق وما السبب في تقاعسه ومقارنته بما وصل إليه من تطور في العالم للوقوف على الأسباب لبناء وترميم ما قد يصلح ترميمه وهناك حقائق كثيرة يعرفها الجميع لدى العديد من البلدان كوجود جمعية لحقوق الحيوانات وكلٍّ حسب نوعه،وقد يضحك القارئ ويقول
أين حقوق الإنسان العراقي؟ ). هذا بالإضافة لتطور الوسائل والارتفاع بمستوى مهنة الطب البيطري في الدراسة والاهتمام ، حتى أصبحت من الدراسات الجامعية الأولى بالدول الأوربية لأهميتها الاقتصادية والإنسانية ، فمثلاً في الدنمارك يعتمد الاقتصاد الوطني الأول على الثروة الحيوانية ،كل هذه الأمور بالإضافة لاحترام حقوق الإنسان وحقوقه في مجتمعات غربية غير أسلامية يقول عليها البعض كافرة ، ورغم أن حتى الرسول والأولياء الكرام أوصوا بالرأفة بالحيوان ، قال الرسول (ص )
امرأة دخلت النار عن حبسها هرّ) ،
هذا سرد مبسط لمعاناة أحدى شرائح المجتمع العراقي .. فأين يكمن الخلل هل بالطبيب البيطري ؟ أم بالمسؤولين المباشرين الذين لاتهمهم إلا مطامعهم الشخصية وكم حَوَت جيوبهم ؟ أم بالمجتمع المتهالك الذي أصبح يرى بقايا رفات أخيه الإنسان المسلم تأكله الكلاب وهو يتفرج أما خوفاً أو طمعاً بما يمتلكه أو يلوي رأسه وكأن الأمر لايعنيه . لا أستطيع الاسترسال أكثر رغم أن في القلب غصّة ، السرطان لم يكتفِ بأجسادنا بل تمكن من أرواحنا المضطربة ، الألم كبير لاتسعه صدورنا فكيف بقصاصة ، وهل يستطيع الإنسان العراقي مواصلة المسيرة رغم العقبات ؟ ، هل هناك حلول لمعاناة هذه الشريحة المهمة والمؤثرة بالمجتمع العراقي صحياً واقتصادياً واجتماعياً ؟!
نتمنى أن تكون صدور مسؤولينا مفتوحة لاستقبال شظايا باتت مؤلمة من كثرة الاندثار، علّ هناك من يسمع ويستجيب .