إنّ حبّنا لاَمير المؤمنين عليه السلام لم يكن اعتباطياً ، بل هو من صميم العقيدة الاِسلامية ومن أهم مسلماتها ، وقد وردت نصوص الحديث وهي تحمل دلالات هذا المبدأ وأبعاده وأسبابه ، ولو تأملنا هذه النصوص لتبين لنا صدق هذه المحبّة وعمق أساسها وذلك للاَسباب التالية :
أولاً : حبّه عليه السلام أمر إلهي :
أمر الله تعالى رسوله الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم بمحبة أمير المؤمنين عليه السلام ، لذلك يتوجب علينا العمل بما أمر به تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
روى بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ الله أمرني أن أحبُّ أربعة ، وأخبرني أنه يحبهم » فقالوا : من هم يا رسول الله ؟ فقال : «علي منهم، علي منهم » يكررها ثلاثاً « وأبو ذرّ، والمقداد، وسلمان أمرني بحبّهم » (1)وتكرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاسم أمير المؤمنين عليه السلام ثلاث مرات يعرب عن مدى اهتمامه بهذا الاَمر ، والاَمر بمحبة أبي ذر والمقداد وسلمان هي فرع من محبة أمير المؤمنين عليه السلام ؛ ذلك لاَنّ هؤلاء الصحابة رضي الله عنه كانوا المصداق الحقيقي لشيعة أمير المؤمنين عليه السلام ومحبيه والسائرين على منهجه ، وسيرتهم تكشف عمق اخلاصهم وولائهم له .
ثانياً : إنّ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم يحبان أمير المؤمنين عليه السلام :
والنصوص الدالة على هذا المعنى كثيرة جداً نكتفي منها بحديثين :
1 ـ حديث الطائر :
وهو يثبت أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أحبُّ الخلق إلى الله ، فقد روي بالاسناد عن أنس بن مالك ، قال : «كان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم طير أُهدي إليه ، فقال : اللهمَّ ائتني بأحبّ الخلق إليك ليأكل معي هذا الطير » فجاء علي فرددته ،
لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا بجمّاتها على المنافق على أن يحبني ماأحبني
ثم جاء فرددته ، فدخل في الثالثة ، أو في الرابعة ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « ما حبسك عني ؟ » ، قال : « والذي بعثك بالحق نبياً ، إني لاَضرب الباب ثلاث مرات ويردني أنس » .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لِمَ رددته ؟ » قلت : كنت أحبُّ معه رجلاً من الاَنصار ، فتبسّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم (2) ».
2 ـ حديث الراية :
وهو دليلنا الآخر على محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم لاَمير المؤمنين والتي توجب علينا محبته والتمسك بولايته والسير على هديه ، والراية هي راية خيبر ، إذ بعث بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر ، فعاد ولم يصنع شيئاً ، فأرسل بعده عمر ، فعاد ولم يفتح (3)، وفي رواية الطبري : فعاد يجبّن أصحابه ويجبّنونه (4).
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم ، فقال : «لاَعطين الراية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، كرار غير فرار» وفي رواية : «لا يخزيه الله أبداً ، ولا يرجع حتى يفتح عليه » (5).
ثالثاً : حبّه حبٌ لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم :
1 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من أحبَّ علياً فقد أحبني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني » (6).
2 ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «من أحبني فليحبُّ علياً ، ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله عزَّ وجلّ ، ومن أبغض الله أدخله النار» (7).
3 ـ وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «من أحبّ علياً فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض علياً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله عزَّ وجلّ» (
.
وممّا تقدم تبين أن محبة أمير المؤمنين عليه السلام تفضي إلى محبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومحبة الله سبحانه ، وذلك غاية ما يصبو إليه المؤمنون بالله ، ومنتهى أمل الآملين .
رابعاً : حبّه إيمان وبغضه نفاق :
1 ـ روي بالاسناد عن أُمّ سلمة ، قالت :« كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لايحبُّ عليّاً منافق ، ولا يبغضه مؤمن» (9).
2 ـ وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إنّه لعهد النبي الاُمي إليَّ أنه لا يحبني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق » (10).
3 ـ وقال عليه السلام : «لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا بجمّاتها على المنافق على أن يحبني ماأحبني ، وذلك أنه قضي فانقضى على لسان النبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : ياعلي ، لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبك منافق » (11).
4 ـ وعن أبي سعيد الخدري ، قال : (إنّا كنا نعرف المنافقين ـ نحن معاشر الاَنصار ـ ببغضهم علي بن أبي طالب) (12).
5 ـ وعن أبي ذر ، قال : ما كنا نعرف المنافقين إلاّ بتكذيبهم الله ورسوله، والتخلف عن الصلاة ، والبغض لعلي (13).
وعليه فانحبّ أميرالمؤمنين علي عليه السلام من علامات الايمان ، وليس أحد ممن آمن بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ ويودُّ التحلي بصفات الايمان والتي من أهم مصاديقها مودّة من أمرالله تعالى بمودته ومحبة من يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
وبغض الاِمام علي عليه السلام من علامات النفاق ، ولا يبغضه إلاّ منافق ، كما هو صريح الاحاديث المتقدمة ، وفي هذا المضمون قال أحمد بن حنبل : (ولكن الحديث الذي ليس عليه لبس قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :« لا يحبك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق » ، وقال الله عزّ وجلّ ﴿ إنَّ المنَافِقينَ في الدَّركِ الاَسفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾ (14) ، فمن أبغض علياً فهو في الدرك الاسفل من النار) (15).