لماذا مع الترويج للأمصال تختفي حقائق ثابتة مثل: أن تلك الأمصال تزيد نسب الوفاة والمرض في البشر، حيث إن مكونات هذه الأمصال تحتوي على عناصر سامة وكيماويات مثل الزئبق والألمنيوم، والفورمالدهايد، والفورمالين، ومواد جينية غريبة على الجسم البشري، وبروتينات يعد الزج بها في الجسم البشري مغامرة، علما بأن هذه البروتينات يتم استخلاصها من فيروسات وبكتيريا وحيوانات قد تكون خضعت لتجارب علمية تتعلق بأمراض المناعة المكتسبة وأنواع معينة من السرطان؟.
إجابات تطرح أسئلة
ربما أكون أطلت رغم أن لدي المزيد، ولكني مدرك أن تلك الأسئلة تحمل في طياتها إجاباتها، بل ربما كانت تحمل إجابات لأسئلة أخرى لم أطرحها، فقط أستأذن في الإجابة بدون ترتيب.
الأنفلونزا الأسبانية التي يوقظون الآن فيروساتها في المعامل بدعوى إخضاعها لبحث مدى التشابه بينها وبين أنفلونزا الطيور أو لغير ذلك من علل سقيمة لا تنطلي على أحد، فضلا عن خطورة ذلك لو كان الزعم صحيحا، سميت أسبانية رغم تأصلها في التبت بآسيا بعد توتر وشد وجذب ونزاع امتد بين أسبانيا وأمريكا حول مستعمرات جزر الكاريبي وهاواي والفلبين التي كانت تخضع لأسبانيا.
يضاف لما سبق أن صحافة أسبانيا كانت أكثر صحافة آنذاك تناولت الوباء بالتغطية الإعلامية، وأن أسبانيا كانت محايدة إزاء السياسات الاستقطابية التي سادت ذلك الوقت بسبب الحرب العالمية الأولى ولم تنحز لأي معسكر، ولم تكن مكانة أسبانيا في ذلك الوقت لدى أمريكا تزيد عن مكانة الصين الشيوعية الآن.. هل يعيد التاريخ نفسه؟.
قلت إن بعض الأسئلة تحمل إجاباتها، أما إجابة ما تبقى من الأسئلة فقد كفاني مئونتها خبير ذو باع طويل في تناول موضوعنا بالكتابة والبحث وتجربة عريضة ودربة وتمرس مع المجالات التالية: الصحة العامة، والعلوم السلوكية، والأوبئة البازغة، والإرهاب البيولوجي، لذلك فإني بتصرف أعرض رأي الدكتور ليونارد هوروفيتز، يقول الرجل:
إنه بمتابعته الحملات الإعلامية المتوالية حول سارس وأنفلونزا الطيور وما سبقهما، وباعتباره خبيرا في الصحة العامة تخرج في جامعة هارفارد بعد دراسة علم الإقناع الإعلامي السلوكي والتدرب على وسائله وأدواته، يرى أننا نخوض تجربة تحمل بصمات وعلامات اقتصاديي الدواء الذين يوجهون الأجندات الاقتصادية السياسية في الحكومات عن طريق ممثليهم فيها، بحيث يواكب الحرب على الإرهاب تنمية ثقافة مواجهة الحرب البيولوجية وأن الأجندة التي تدار الآن تهدف لأمرين بالأساس: الربح، وخفض السكان.
فنحن نعيش منذ فترة في ظلال "حرب على الإيدز" و"حرب الإرهاب" و"حرب على المخدرات" و"حرب على السرطان"، وبحسب رأي هوروفيتز فإن الجنون الإعلامي السائد يعد نوعا من إدارة صراعات أو أزمات لا تصل أو ترقى لحد الحرب، ولو تطلب ذلك العمل مثلا زيادة الكوارث الطبيعية (هناك اتهامات بأن أمريكا فجرت قنبلة هيدروجينية صغيرة في فالق عميق قرب إندونيسيا وهو ما تسبب في موجات التسونامي)!.
كيف ذلك؟ يشرح الرجل بأنه مع نهاية ستينيات القرن الماضي اتضح لدى مفكري الاستعمار أن التبعات المترتبة على الحربين العالميتين الأولى والثانية أكبر من أن يتحملها العالم؛ لذا فإن الصراعات أو الأزمات التي لا تصل لحروب تعد الحل الأمثل سياسيا وأجدى اقتصاديا.
خذ مثلا هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد ريتشارد نيكسون أشرف على ثلة من السياسات وباشر تنفيذها –والكلام لهوروفيتز– وهي تستلزم خفض تعداد سكان العالم الثالث والذي يراه ضرورة لمصلحة أمريكا وألمانيا وبريطانيا وسائر الحلفاء.
هنري كيسنجر السياسي الأمريكي الذي غالبا ما يوصف بالدهاء والمكر هو بالمناسبة صنيعة عائلة روكفيللر الفاحشة الثراء والتي تصنع وتزرع السياسيين وتبث رجالها في المنظمات الحكومية والعالمية وتستطيع بالتناغم مع غيرها من أرباب رءوس الأموال عن طريقهم أن تدير دفة المؤتمرات الرسمية والعالمية وتوجهها حسب مصلحتها، ولعل هذا يفسر الابتسامات البلاستيكية لأصحاب الياقات البيضاء عقب كل لقاء أقيم خلف باب مغلق ضم ساسة ومسئولين والتوافق العجيب لهم والإجماع على بعض الشئون إذا تلاقت المصالح.
تلك العائلة مع غيرها من العائلات وأصحاب رءوس الأموال يديرون "كارتل" شركات أدوية، الكثير منها يعمل في حقل تصنيع الأمصال واللقاحات، وتتربح بأرقام فلكية منها، وحتى يتم ذلك لا بد أن يسيطر الرعب على الخلق حتى تسوغ أي سياسات قد لا يهضمها البعض في الظروف العادية، ومن ثم تبرز الحاجة لخلق ظروف استثنائية.
وفي عام 1968 طلب كيسنجر معلومات عن جراثيم وميكروبات جديدة يمكن استنباتها في المعامل بحيث تستخدم في خفض السكان، وتحوير فيروسات الأنفلونزا بدمجها مع فيروسات أمراض قاتلة أخرى، وتمت تلبية طلبه حيث خضعت بالفعل فيروسات الأنفلونزا لباحثي برنامج فيروسات السرطان وبالاسم خص خبيرنا هوروفيتز أربعة منهم هم أوكنور وستيورات وكينارد وروستشر وآخرين بطبيعية الحال.
تحت مظلة ذلك البرنامج تم دمج فيروسات الأنفلونزا والبارا أنفلونزا مع فيروس اللوكيميا، وفي بيئة تسمح بالاندماج والتحور مع فيروس يصيب الطيور مسببا لسرطان الساركوما، وتم حقنها في قرود وآدميين لبحث مدى عدواها. وبالتوازي مع ذلك قام روستشر بتعريض الفيروسات لإشعاعات يمكن أن تزيد نسبة السرطنة لها.
كل ذلك يتطلب حملة دعاية مركبة ومعقدة لا يمكن على إدارتها كما يقول هوروفيتز إلا وحدة تابعة للبنتاجون تدعى وحدة العمليات النفسية اسمها "PSYOPS" التي يديرها سدنة العسكرية الأمريكية في إدارة "Command and Control Warfare" وتكتب اختصارا "C2W".. فكر تآمري أليس كذلك؟.
إذا كان ما تقدم فكرا تآمريا سيطر على عقل ومخيلة عالم كبير وخبير صحة عالمي من العيار الثقيل، فهل المبيدات والكيماويات التي استخدمتها أمريكا في لاوس وفيتنام وكمبوديا وغيرها من تلك البلدان مثل العامل البرتقالي وغيرها خيال سقيم؟ هل المحاصيل المهندسة وراثيا وقدرتها المسرطنة واستخدام الهرمونات بدعوى زيادة الإنتاجية الزراعية بعيدة عن تلك الفرضية؟.
هوروفيتز يقول إن الوسائل الحديثة لا تقتل بشكل مباشر ولكنها تخفض السكان على المدى البعيد بظهور أمراض جديدة تستلزم عناية طبية ومراكز رعاية صحية وأموالا طائلة والعجلة تدور وتدر الربح الكبير الوفير..
من عندي أقول لكم: ذكرت أن حجم تجارة الأدوية يصل لنصف تريليون، لكن لم أذكر أن حجم الأموال التي تتداول في الرعاية الصحية الشاملة يتجاوز التريليون والنصف .. كلام الرجل على أقل تقدير جدير بالنظر فيه! والحال كذلك.. ما الذي يدبر؟.
ليست المشكلة في أن يحاول البعض خداعنا، ولا هي في أن ننخدع، لكن المعضلة في أن ننخدع مرارا وتكرارا بنفس الطريقة، وتنطلي علينا الخدعة هي هي مرة بعد أخرى.
يدفعني لذلك أننا – للأسف – كالعميان نجري وراء كل ناعق، حتى لو كان هذا الناعق منظمة الصحة العالمية، فقد انبهرت الأنفاس من الجمرة الخبيثة ثم من سارس ثم من إنفلونزا الطيور، والآن أنفاسنا تنبهر مما تعارف عليه إعلاميا بإنفلونزا الخنازير..
قبل أي شيء، ليعلم القراء أن الإنفلونزا العادية تصيب سنوياً ما يتراوح بين 25 مليونا و50 مليونا في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، يدخل منهم ما يتراوح بين 150 ألفا و200 ألف المستشفيات، ويتوفي بسببها ما يتراوح بين 30 ألفا و40 ألف مريض.
بعد ذلك، هل تذكرون الهلع الذي تملك الناس منذ 3 سنوات بسبب ما عرف باسم إنفلونزا الطيور، وقامت الدنيا آنذاك ولم تقعد رعبا من وباء كاسح لا يبقي ولا يذر، واستطاعت ثلة منتفعة أن تستنفر العالم بأسره على جميع المستويات والأصعدة.
إنني أدعوكم الآن لكي تدركوا حجم الخديعة أن تدخلوا على الموقع الإلكتروني لمنظمة الصحة العالمية لقراءة آخر تحديث للإحصاءات المتصلة "بالوباء" الرهيب، وهنا من بين الأرقام سوف تجدون أن عدد الوفيات بإنفلونزا الطيور 261 نفسا في العالم كله منذ تفشي "الوباء" حتى 15 مايو 2009.. أي والله 261 حالة وفاة فقط، أي أقل من وفيات طائرة واحدة خرت من عل.
وقتها كتبت ملفا كبيرا متخما بالمعلومات والأرقام والحقائق والحجج والبراهين تحت عنوان "إنفلونزا الطيور.. سياسة وبيزنس"، وأوضحت فيه أن التخوف من إنفلونزا الطيور.. هلع لا داعي له، وألحقته بأن الخبراء يستنكرون هذا الهلع، وتحدثت فيه عن صناعة الهلع من إنفلونزا الطيور، وبينت أن "السبوبة" أو البحث عن الكسب المادي هي السر وراء هذا الإرعاب المؤسسي الإعلامي المنظم، ووضعت عقار "تامي فلو" في الميزان الذي يروج له على أنه طوق النجاة في بحر الوباء العاتي، وأخيرا شفعت الملف بما ظننت آنذاك أنه يتممه، مقيما الحجة على أن إنفلونزا الطيور.. إرهاب سياسي. "تامي فلو" ولعبة جديدة
ولا زال الحديث متصلا عن عقار الـ"تامي فلو" باعتباره هو المنقذ من وباء إنفلونزا الخنازير أيضا.
سعر سهم شركة جي ليد Gilead المنتج الأصلي لعقار Tamiflu والتي تحتفظ بحق تحصيل 10% من مبيعات وتسويق العقار كان مطلع عام 1994م لا تساوي قيمته أكثر 75 سنتا، وظل يصعد ويهبط حتى وصلت قيمته بعد عشر سنوات أي عام 2004 نحو 14 دولارا ، ثم مع استعار هوجة إنفلونزا الطيور تجاوز سعره منتصف العام 50 دولارا.
ظلت القوة الدافعة مع القصور الذاتي للزخم الذي أحدثته "بروبجندا" إنفلونزا الطيور يدفعان بقيمة سهم جي ليد صعودا وهبوطا حتى تجاوزت قيمته 57 دولارا في أغسطس 2008، ثم هوى في أوائل 2009 إلى 35 دولارا، أما الآن، أي بعد صرعة "إنفلونزا الخنازير" حتى لحظة كتابة هذه السطور فهو 43 دولارا أمريكيا، وأخذ منحنى قيمته في الصعود تارة أخرى ولا يزال السهم يحلق.
نذكر أيضا أن دونالد رامسفيلد وزير الدفاع في عهد جورج بوش الابن كان منذ عام 1997 وحتى عام 2001م رئيس مجلس إدارة شركة جي ليد، وتركها عندما تقلد الوزارة في أول ولاية بوش، ولا يزال مالك نصيب الأسد من أسهم الشركة.
محل رامسفيلد من الإعراب هاهنا أنه جمهوري من غلاة المحافظين الجدد الذين كانوا ومازالوا يقتاتون سواء وهم في داخل السلطة أو خارجها لتحقيق مصالح ومنافع عامة أو خاصة على إشاعة الرعب ونشر الهلع والخوف لتبرير وتمرير مخططاتهم.
ظني –وما أعتقد أني مخطئ– أن لا أحد أصغى أذنا أو انتفع بمحاولات التهدئة السابقة التي باءت كلها تقريبا بالفشل، فلا زال الحديث عن إنفلونزا الطيور حتى الآن حاضرا، ومع ذلك سوف أكرر عبارة سقتها أثناء امتلاء الفضاء حولنا بالرعب الذي ما برحت منظمة الصحة العالمية تحذرنا منه صباح مساء فاعتبروا يا أولي الأبصار.
قلت ساعتها: "لا تجزع من إنفلونزا الطيور فكل الذين تتجاوز أعمارهم 50 عاما مروا بوبائين وما زالوا بيننا وهناك من تجاوزت أعمارهم فوق ذلك خرجوا بسلام من 3 أوبئة للإنفلونزا هي الإنفلونزا الإسبانية 1918، والإنفلونزا الآسيوية 1957، وإنفلونزا هونج كونج 1968".
أكرر أيضا: يا قوم "حجم تجارة الأدوية يصل لنصف تريليون دولار أمريكي، وحجم الأموال التي تتداول في الرعاية الصحية الشاملة يتجاوز التريليون والنصف".
قلت إن آخر تحديث لإحصاء وفيات مرض إنفلونزا الطيور منذ ظهوره وحتى منتصف مايو 2009 لا يتجاوز 261 حالة حسبما هو منشور على الموقع الإلكتروني لمنظمة الصحة العالمية؛ المنظمة التي أشاعت الرعب من فيروس H5N1، وظلت لأشهر تحذرنا من أعداد الوفيات التي يمكن أن يحصدها المرض عندما يتحول إلى وباء، ومع ذلك لا تستحي من تكرار الصخب نفسه وبطريقة أكثر فجاجة، فهي تنذرنا بالويل والثبور وعظائم الأمور، وتصم آذاننا محذرة من إنفلونزا الخنازير وشررها المستطير.
أليس هذا دليل إدانة لمنظمة الصحة العالمية؟ وهي التي شاركت في الحملة والاستنفار، بل قادتهما في كثير من مراحلهما، وبذرت ورعت وسقت الهلع في نفوس البشر، فإن لم تقبل بهذا فهو على الأقل دليل اتهام وتنشره المنظمة الدولية التي يفترض فيها النزاهة على موقعها الإلكتروني.
مرة أخرى يمكنك أن تقرأ على موقع المنظمة بالإنترنت الأعراض المرضية لما يعرف إعلاميا بإنفلونزا الخنازير، إنها: ارتفاع في درجة الحرارة – سعال – التهاب واحتقان بالحلق - رشح الأنف - آلام بالأذن – صداع - آلام بالعضلات والمفاصل وأحيانا قيء أو إسهال..
أليست هذه أعراض الإنفلونزا العادية؟ ليقل لي أحدكم ما الفارق!
إذن لماذا نجد المنظمة في طليعة حملة الإرعاب الدائرة رحاها الآن، ترفع درجة الإنذار من الفيروس A-H1N1 المسبب لما يطلق عليه إنفلونزا الخنازير، ويشاع عنه أنه وباء إلى الدرجة الخامسة، وهي تنتظر اللحظة المناسبة الآن لرفعها للسادسة، وهي أعلى درجات الاستنفار والتحذير والإنذار، جد كم صار عسيرا أن تظل هذه المنظمة في مكانتها العالية.
إنني لا أجد إجابة على سؤال هام ما يفتأ يقض مضجعي، وهو: ما الذي يورط المنظمة الدولية في هذا كله؟ هل لدى أحدكم إجابة!
هل الإجابة تكمن فيما بين الأسطر التي كتبها كبير الأطباء في المركز القومي لأمراض الكبد والأمراض المتوطنة المصري الأستاذ الدكتور عمران البشلاوي في صحيفة المصري اليوم المصرية (18-5-2009) والتي جاء فيها نصا وحرفا: "نحن ها هنا في مصر لا توجد لدينا إنفلونزا في شهور الصيف.. وعليكم الرجوع إلى سجلات وزارة الصحة، فالصيف في مصر أمراضه كالتيفود الذي ينتقل بالذباب والإسهال والرمد الصديدي!! أما مؤامرة معامل الحامض النووي والفيروسات والشركات العملاقة المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات، التي تمتلك هذه المعامل، فهي تمثل أخطر تهديد للأمن القومي المصري، بل للأمن الغذائي.. إن إنشاء منظمة صحة إفريقية عربية ملحقة بالاتحاد الإفريقي.. سوف يرحم الدول الإفريقية من هذه المافيا الخطيرة الرهيبة".
وعلى ذكر الصيف ودرجات الحرارة فيه، فمما يؤسف له أن تقرعك من بين دعاوى الاستنفار دعوة مفتي الديار المصرية الدكتور على جمعة وهو يطالب فقهاء الأمة والمجامع الفقهية المعترف بها في العالم الإسلامي أن تتوحد على إصدار فتوى واحدة جماعية لتأجيل الحج والعمرة بسبب إنفلونزا الخنازير كإجراء وقائي، وأيده في ذلك شيخ الجامع الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي باعتبار أن حفظ النفس من مقاصد الشريعة الإسلامية!
حسنا، سمعت أن مكة -رزقني الله وإياك زيارتها حاجا- إذا دخلها الصيف صارت كأنما فتحت عليها أبواب الجحيم، وهي الآن -وليس في شهر أغسطس اللاهب الحارق- تزيد حرارة جوها ظهرا عن 45 درجة مئوية، ولا يختلف جو المدينة عن ذلك تقريبا، ألا يعني هذا أن فرصة انتشار وحياة فيروس H1N1-A في الأجواء الحجازية وما حولها شبه معدومة!!
إن نيل تهويل الإعلام منا، والإصغاء للصخب العاتي الذي يملأ حولنا السماء والأرض دونما تمحيص الوارد علينا منه، والتسليم بكل صرخة له من السلبيات الكثير، ليس أدناها الأموال التي تنفقها بمئات الملايين الدول العربية الفقيرة والغنية لتوفير علاجات، الشك فيها أرجح من الثقة بها.
نستكمل الحديث عن إنفلونزا الخنازير.. أيها السادة أوجه إليكم سؤلا غاية في الأهمية، ألا وهو: أيهما أخطر إنفلونزا الخنازير أم الطيور؟
والإجابة من واقع سجلات منظمة الصحة العالمية، وحسب المنشور على موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت سوف تقرعكم بهذه الأرقام حتى يوم 24 مايو 2009: [size=16]عدد الإصابات المؤكدة بإنفلونزا الخنازير: 12022 حالة
عدد الوفيات منها: 86 حالة
عدد الإصابات المؤكدة بإنفلونزا الطيور: 429 حالة
عدد الوفيات منها: 262 حالة
إذن بقواعد حسابية بسيطة سوف نندهش عندما نجد أن نسبة الوفيات في إنفلونزا الخنازير نحو 0.7% أي أقل من واحد بالمائة، بينما النسبة تزيد في إنفلونزا الطيور عن 61% بين المصابين بها، ألا تدل تلك الأرقام على ضعف فاضح في فيروس إيه – إتش 1إن1؟ ومع ذلك يخوفوننا منه حتى تكاد السماء تمطر تخويفا!
يا سادة، برغم تحفظاتنا – وبالأحرى إنكارنا – لخطر الاثنين، لكنه بحسب مؤشرات نسبة الوفيات بين المصابين بكليهما، ألم يكن من المفترض أن يكون الاهتمام بالأولى يفوق الثانية بكثير؟ ومع ذلك – وياللغرابة وعلى النقيض تماما - فإننا نلمس أن الضجيج المثار والصخب فائق الشدة حول إنفلونزا الخنازير يتجاوز بمراحل البروبجندا الخاصة بإنفلونزا الطيور.
لماذا؟!! الله أعلم، وبالمثل الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة المصري عندما سئل "هل ترى أنه تم تضخيم موضوع إنفلونزا الخنازير عالميا؟".
أجاب بنعم، مقررًا "ولا أعرف السبب"، ومتسائلا: "أنا مش عارف الهيصة دي كلها على إيه.. ولا توجد لدي أسباب واضحة"!!
والحال كذلك، أعتقد أن القليل من الكلام وفق "نظرية المؤامرة" لا يضر، من يدري وربما يفيد! فلعل الكثيرين لم يسمعوا قط عما أطلق عليه "جائحة إنفلونزا الخنازير العظمى" أو الوباء الذي لم يكن، كان ذلك عام 1976م عندما نشر الرعب مع سبق الإصرار والترصد، وهذا يتطلب مني أن أتخلل سرد قصة هذا الوباء بومضات من وباء أيامنا.
كان في المرة الأولى على مستوى دولة - لكنه الآن على صعيد كوكبي، لذلك تتسع دوائر المؤامرة، وتتشابك خيوطها أكثر، وتتعقد عناصرها على نحو متداخل إلى حد الإرباك.
نعم فالذي نعايشه الآن ليس الإطلالة الأولى لإنفلونزا الخنازير، ولا هو الاستخدام الرائد للحشد الإعلامي والاستنفار الصحي، والتجييش المؤسسي لاستثمار خوف الناس وهلعهم لأغراض سياسية واقتصادية، سواء كانت خاصة أم عامة.
ففي شهر يناير مطلع العام نفسه توفي جندي شاب في معسكر فورت ديكس التابع للجيش الأمريكي بولاية نيوجرسي، وشُخِّص لاحقا بأنه مات متأثرا بإنفلونزا الخنازير، ومع نهاية الشهر كانت التحاليل الطبية لـ 155 جنديا إيجابية فيما يتعلق بالمرض نفسه، ودخل أربعة منهم المشفى وخرجوا جميعا بعدما تعافوا سريعا، ولم يكن هناك ما يشير إلى أن المرض قاتل مميت، لكن المركز الأمريكي لمراقبة الأمراض والوقاية منها المعروف اختصارًا بـ CDC، تخوف من أن يكون الأسوأ لما يأت بعد.
وفي شهر فبراير أذاع وزير الصحة وقتها بيانا على الملأ جاء فيه "هناك دليل على أن جائحة كبيرة سوف تقع الخريف المقبل، الاحتمالات تشير إلى أن الفيروس سوف يقضي على مليون أمريكي عام 1976م".
الآن نعيش عصر العولمة، والحديث لم يعد محصورا بحدود الأوطان، وإنما هو كوكبي الطابع، والأعداد لم تعد مليونية، وإنما بليونية بالمليارات فمسئولو منظمة الصحة العالمية يتوقعون فناء ثلث سكان العالم.
وتم الضغط على زر الهلع
كان الرئيس جيرالد فورد يتأهب وقتها لخوض الانتخابات الرئاسية في نوفمبر التالي، وكانت الأمة الأمريكية لا تزال ترزح تحت وطأة فضيحة ووترجيت وسقوط سايجون، الوضع الذي يمكِّنه من استعراض قدراته القيادية، وبعد أن اجتمع فورد في البيت الأبيض بمطوري لقاح شلل الأطفال وطلب معونتهما، توجه للكونجرس طالبا اعتماد الأموال اللازمة للبرنامج الذي وضع لمكافحة الجائحة وإقرارها، ثم ذهب للتلفاز، وأنبأ الأمريكيين أنه إذا لم تستعد الأمة لأسوأ وباء منذ عام 1918 فسوف يكون الذنب ذنب الكونجرس.
طبعا اعتمدت الأموال اللازمة لتمويل برنامج مكافحة الوباء، وكان من بين بنود التشريع الصادر بتمريره عدة ملايين إضافية من الدولارات لإنشاء مشاريع تخص الخنازير، وتعويضات لشركات الأدوية (التي ستنتج اللقاح المضاد) حتى تتجاوز مشاكلها الخاصة كالدعاوى القضائية المرفوعة ضدها مثلا (حتى تتفرغ تماما للمهمة الوطنية)، أرأيتم كلها منافع وفوائد إنفلونزا الخنازير! مرحبا بالوباء الذي ينعش الاقتصادات المأزومة ويزيد من غلة شركات الأدوية (ثاني أربح تجارة في العالم)، ويزيح عن كاهلها هموم المحاكم فلا صوت يعلو فوق صوت معركة إنفلونزا الخنازير.
تدشين برنامج دعائي المكثف
وجاء صوت المذيع كالإعلانات تماما منذرًا ومحذرًا "جائحة إنفلونزا الخنازير آتية.. إنها قد تمرضك جدا"، (وزيادة في التأثير) عرض على الشاشة مشاهد لمرضى فشلوا في الحصول على جرعات التطعيم وهم طريحو فراش المستشفيات، أما الآن فالأبواق الإعلامية والمسئولون يتبارون في إشاعة الرعب متسابقين، ويزايدون في الأرقام على بعضهم.
وجاء أكتوبر وبدأ معه برنامج التطعيم القومي، ولكن عندما نشرت بعض التقارير أنباءً عن وفاة ثلاثة من الشخصيات العامة بعدما تلقوا التطعيمات، رفض الناس تعاطي التطعيمات، ولم يتعاط سوى ثلث السكان التطعيم، وبقي الثلثان دون تطعيم – برغم عدم ثبوت تأثر الوفيات باللقاح، ومع ذلك لم تأت الجائحة أبدا ولم تكن، تماما كما لم يتفش وباء إنفلونزا الطيور ولا الجمرة الخبيثة ولا سارس.
لعل في هذا وغيره العظة والدرس، علنا نستفيد، وبالتأكيد لن يكون الكلام وفق "نظرية المؤامرة" خاليا من الفائدة، لكن بعد مرور زهاء 4 عقود مع تعقد وتشابك العلاقات والمصالح والعولمة والشركات العابرة للقارات والإستراتيجيات العظيمة المتداخلة والمتصارعة، فوضعنا الآن أكثر تعقيدًا وتشابكًا، ولكن خلاصة الدرس واضحة ولا تحتاج لمزيد..
صحيح أن الفيروس وصل إلى 43 دولة وبلغ عدد المصابين به لـ 12022، ولكن في أمريكا وحدها هناك 6552 حالة، وامتدادها في المكسيك بنحو 3892 حالة، بينما هناك حالة في الأرجنتين وأخرى في أستراليا وثالثة في الدنمارك ومثلها في اليونان، وكذلك في الفلبين وهكذا، إذن فالأمر يبدو بقراءة الأرقام شبه أمريكي خالص!
فالواقع أننا الآن على أعتاب حقبة جديدة تسلمت فيها إدارة ورئيس جديد مقاليد الأمور بالولايات المتحدة الأمريكية، وكانت تالية لحقبة سوداء احتل فيها غلاة المتشددين الأمريكيين البيت الأبيض وملئوا فيها الدنيا ظلما وظلاما وطغيانا وعاثوا في الأرض فسادًا.
صحيح أيضا أنه ليس هناك شيء واضح حتى الآن، ولكن ترتيب البيت الأمريكي من الداخل ومخاطبة الخارج والتعامل معه، فضلا عن اقتصاد عالمي مأزوم، وغير ذلك من الأمور الشائكة الكثير، ربما تتطلب شيئا كإنفلونزا الخنازير.. تسألني هل هذا ممكن؟ أجيب ولم لا؟